فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{واتقوا يَوْمًا} أي حسابَ يومٍ أو عذابَ يوم {لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} أي لا تقضي عنها شيئًا من الحقوق فانتصابُ شيئًا على المفعولية أو شيئًا من الجزاء فيكون نصبُه على المصدرية وقرئ لا تُجزِي: أي لا تغني عنها فيتعين النصبُ على المصدرية، وإيرادُه منكرًا مع تنكير النفسِ للتعميم والإقناطِ الكليّ، والجملة صفةُ يومًا والعائد منها محذوف أي لا تَجْزي فيه ومن لم يجوز الحذفَ قال: اتُسع فيه فحُذف الجارُّ وأُجرِيَ المجرورُ مجرى المفعولِ به ثم حُذِفَ في قول من قال:
فما أدري أغَيَّرهمْ تناء ** وطولُ العهدِ أم مالٌ أصابوا

أي أصابوه {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شفاعة وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي من النفس الثانية العاصيةِ أو من الأولى، والشفاعةُ من الشفْع كأن المشفوعَ له كان فردًا فجعله الشفيعُ شفعًا والعدلُ الفدية وقيل: البدل، وأصله التسوية سُمي به الفديةُ لأنها تساوي المَفْدِيَّ وتَجزي مَجزاه {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} أي يُمنعون من عذاب الله عز وجل، والضميرُ لما دلت عليه النفسُ الثانية المنَكّرة الواقعةُ في سياق النفي من النفوس الكثيرة، والتذكيرُ لكونها عبارةً عن العبّاد والأَناسيِّ، والنُصرةُ هاهنا أخصُّ من المعونة لاختصاصها بدفع الضرر وكأنه أريد بالآية نفيُ أن يَدفعَ العذابَ أحدٌ عن أحد من كل وجهٍ محتمل، فإنه إما أن يكون قهرًا أو لا والأول النُّصرة، والثاني إما أن يكون مجّانًا أو لا، والأولُ الشفاعة والثاني إما أن يكونَ بأداء عينِ ما كان عليه وهو أن يجزيَ عنه أو بأداء غيرِه وهو أن يُعطيَ عنه عَدْلًا وقد تمسكت المعتزلةُ بهذه الآية على نفي الشفاعةِ لأهل الكبائرِ، والجوابُ أنها خاصة بالكفار للآيات الواردة في الشفاعة والأحاديثِ المرويةِ فيها ويؤيده أن الخطابَ معهم ولردهم عما كانوا عليه من اعتقاد أن آباءَهم الأنبياءَ يشفعون لهم. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} اليوم الوقت، وانتصابه إما على الظرف والمتقى محذوف أي واتقوا العذاب يومًا وإما مفعول به واتقاؤه بمعنى اتقاء ما فيه إما مجازًا يجعل الظرف عبارة عن المظروف أو كناية عنه للزومه له، وإلا فالاتقاء من نفس اليوم مما لا يمكن، لأنه آت لا محالة، ولابد أن يراه أهل الجنة والنار جميعًا، والممكن المقدور اتقاء ما فيه بالعمل الصالح، و{تَجْزِى} من جزى بمعنى قضى، وهو متعد بنفسه لمفعوله الأول، وبعن للثاني وقد ينزل منزلة اللازم للمبالغة والمعنى لا تقضي يوم القيامة نفس عن نفس شيئًا مما وجب عليها، ولا تنوب عنها، ولا تحتمل مما أصابها، أو لا تقضي عنها شيئًا من الجزاء، فنصب {شَيْئًا} إما على أنه مفعول به أو على أنه مفعول مطلق قائم مقام المصدر، أي جزاء مّا.
وقرأ أبو السماك: {وَلاَ} من أجزأ عنه إذا أغنى، فهو لازم، و{تَكُ شَيْئًا} مفعول مطلق لا غير، والمعنى لا تغني نفس عن نفس شيئًا من الإغناء ولا تجديها نفعًا وتنكير الأسماء للتعميم في الشفيع والمشفوع، وما فيه الشفاعة، وفيه من التهويل والإيذان بانقطاع المطامع ما لا يخفى، كما يشير إليه قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 4 3 37] والجملة في المشهور صفة يوم والرابط محذوف، أي: لا تجزي فيه ولم يجوز الكسائي حذف المجرور إذا لم يتعين، فلا تقول: رأيت رجلًا أرغب، وأنت تريد أرغب فيه، ومذهبه في هذا التدريج، وهو أن يحذف حرف الجر أولًا حتى يتصل الضمير بالفعل فيصير منصوبًا فيصح حذفه كما في قوله:
فما أدري أغيرهم تناء ** وطول العهد أو مال أصابوا

يريد أصابوه، وقد يجوز على رأي الكوفيين أن لا تكون الجملة صفة، بل مضاف إليها يوم محذوف لدلالة ما قبله عليه فلا تحتاج إلى ضمير، ويكون ذلك المحذوف بدلًا من المذكور ومن ذلك ما حكاه الكسائي أطعمونا لحمًا سمينًا، شاة ذبحوها بجر شاة على تقدير لحم شاة وحكى الفراء مثل ذلك، ومنه قوله:
رحم الله أعظما دفنوها ** بسجستان طلحة الطلحات

في رواية من خفض طلحة، والبصريون لا يجوّزون حذف المضاف، وترك المضاف إليه على خفضه، ويقولون بشذوذ ما ورد من ذلك، وقرأ أبو سرار: «لا تجزي نسمة عن نسمة» وهي بمعنى النفس.
{وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شفاعة وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} الشفاعة كما في البحر ضم غيره إلى وسيلته وهي من الشفع ضد الوتر لأن الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصير شفعًا بعد أن كان فردًا والعدل الفدية، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وروي عنه أيضًا البدل أي رجل مكان رجل، وأصل العدل بفتح العين ما يساوي الشيء قيمة وقدرًا وإن لم يكن من جنسه وبكسرها المساوى في الجنس والجرم، ومن العرب من يكسر العين من معنى الفدية، وذكر الواحدي أن عدل الشيء بالفتح والكسر مثله، وأنشد قول كعب بن مالك:
صبرنا لا نرى لله عدلا ** على ما نابنا متوكلينا

وقال ثعلب: العدل الكفيل والرشوة ولم يؤثر في الآية والضميران المجروران بمن إما راجعان إلى النفس الثانية لأنها أقرب مذكور ولموافقته لقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} ولأنه المتبادر من قوله: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} ومعنى عدم قبول الشفاعة حينئذٍ أنها إن جاءت بشفاعة شفيع لم تقبل منها وإما إلى الأولى لأنها المحدث عنها، والثانية فضلة ولأن المتبادر من نفي قبول الشفاعة أنها لو شفعت لم تقبل شفاعتها، وحينئذٍ معنى عدم أخذ العدل من الأولى أنه لو أعطى عدلًا من الثانية لم يؤخذ، وكأن في الآية على هذا نوعًا من الترقي ارتكب هنا وإن لم يرتكب في مقام آخر كأنه قيل: إن النفس الأولى لا تقدر على استخلاص صاحبتها من قضاء الواجبات وتدارك التبعات لأنها مشغولة عنها بشأنها، ثم إن قدرت على نفي ما كان بشفاعة لا يقبل منها، وإن زادت عليه بأن ضمت الفداء فلا يؤخذ منها، وإن حاولت الخلاص بالقهر والغلبة وأنى لها ذلك فلا تتمكن منه، واختار الكواشي جعل الضمير الأول للنفس الأولى، والثانية للثانية على اللف والنشر لما فيه من إجراء الجملتين على المعنى الظاهر منهما، ويهوّن أمر التفكيك الاتضاح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا تقبل بالتاء، وسفيان {يَقْبَلُ} بفتح الياء، ونصب شفاعة على البناء للفاعل، وفيه التفات من ضمير المتكلم في {نِعْمَتِيَ} [البقرة: 7 4] الخ إلى ضمير الغائب وبناؤه للمفعول أبلغ.
{وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} النصر في الأصل المعونة، ومنه أرض منصورة ممدودة بالمطر، والمراد به هنا ما يكون بدفع الضرر أي ولاهم يمنعون من عذاب الله عز وجل والضمير راجع إما إلى ما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفي من النفوس الكثيرة فيكون من قبيل ما تقدم ذكره معنى بدلالة لفظ آخر، وإما إلى النفس المنكرة من حيث كونها لعمومها بالنفي في معنى الكثرة كما قيل في قوله تعالى: {فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين} [الحاقة: 7 4] وأتى به مذكرًا لتأويل النفوس بالعباد والأناسي، وفيه تنبيه على أن تلك النفوس عبيد مقهورون مذللون تحت سلطانه تعالى، وأنهم ناس كسائر الناس في هذا الأمر، وعوده إلى النفسين بناءً على أن التثنية جمع ليس بشيء، وجعل النفي منسحبًا على جملة اسمية للتقوى، ورفع {هُمْ} على الابتداء والجملة بعده خبره، وجعله مفعولًا لما لم يسم فاعله والفعل بعده مفسر فتوافق الجمل لا أوافق على اختياره وإن ذهب إليه بعض الأجلة وتمسك المعتزلة بعموم الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر وكون الخطاب للكفار والآية نازلة فيهم لا يدفع العموم المستفاد من اللفظ، وأجيب بالتخصيص من وجهين:
الأول: بحسب المكان والزمان فإن مواقف القيامة ومقدار زمانها فيها سعة وطول، ولعل هذه الحالة في ابتداء وقوعها وشدته ثم يأذن بالشفاعة، وقد قيل: مثل ذلك في الجمع بين قوله تعالى: {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون: 101] وقوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الطور: 5 2] وكون مقام الوعيد يأبى عنه غير مسلم، والثاني: بحسب الأشخاص إذ لابد لهم من التخصيص في غير العصاة لمزيد الدرجات فليس العام باقيًا على عمومه عندهم وإلا اقتضى نفي زيادة المنافع وهم لا يقولون به، ونحن نخصص في العصاة بالأحاديث الصحيحة البالغة حد التواتر، وحيث فتح باب التخصيص نقول أيضًا: ذلك النفي مخصص بما قبل الإذن، لقوله تعالى: {لاَّ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ} [سبأ: 3 2] وهو تخصيص له دليل، وتخصيصهم لا يظهر له دليل على أن الشفاعة بزيادة المنافع يكاد أن لا تكون شفاعة وإلا لكنا شفعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصلاة عليه مع أن الإجماع وقع منا ومنهم على أنه هو الشفيع، وأيضًا في قوله تعالى: {واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد: 9 1] ما يشير إلى الشفاعة التي ندعيها ويحث على التخصيص الذي نذهب إليه رزقنا الله تعالى الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}.
عَطَفَ التحذير على التذكير، فإنه لما ذكرهم بالنعمة وخاصة تفضيلهم على العالمين في زمانهم وكان ذلك منشأ غرورهم بأنه تفضيل ذاتي فتوهموا أن التقصير في العمل الصالح لا يضرهم فعقب بالتحذير من ذلك.
والمراد بالتقوى هنا معناها المتعارف في اللغة لا المعنى الشرعي.
وانتصاب {يومًا} على المفعولية به وليس على الظرفية ولذلك لم يقرأ بغير التنوين.
والمراد باتقائه اتقاؤه من حيث ما يحدث فيه من الأهوال والعذاب فهو من إطلاق اسم الزمان على ما يقع فيه كما تقول مكان مخوف.
و{تجزي} مضارع جزى بمعنى قضى حقًا عن غيره، وهو متعد بعن إلى أحد مفعوليه فيكون {شيئًا} مفعوله الأول، ويجوز أيضًا أن يكون مفعولًا مطلقًا إذا أريد شيئًا من الجزاء ويكون المفعول محذوفًا.
وجملة: {لا تجزي نفس} صفة ليومًا وكان حق الجملة إذا كانت خبرًا أو صفة أو حالًا أو صلة أن تشتمل على ضمير ما أجريت عليه، ويكثر حذفه إذا كان منصوبًا أو ضميرًا مجرورًا فيحذف مع جاره ولاسيما إذا كان الجار معلومًا لكون متعلقه الذي في الجملة لا يتعدى إلا بجار معين كما هنا تقديره فيه وإنما جاز حذفه لأن المحذوف فيه متعين من الكلام وقد يحذف لقرينة كما في حذف ضمير الموصول إذا جر بما جر به الموصول.
ونظير هذا الحذف قول العريان الجرمي من جرم طيئ:
فقلت لها لاَ والذي حجَّ حاتم ** أُخونُككِ عهدًا إنني غير خوّان

تقديره حج حاتم إليه.
وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفوس أي لا يغني أحد كائنًا من كان فلا تغني عن الكفار آلهتهم ولا صلحاؤهم على اختلاف عقائدهم في غَناء أولئك عنهم، فالمقصود نفي غنائهم عنهم بأن يحولوا بينهم وبين عقاب الله تعالى، أي نفي أن يجزوا عنهم جزاء يمنع الله عن نوالهم بسوء رعيًا لأوليائهم، فالمراد هنا الغناء بحرمة الشخص وتوقع غضبه وهو غناء كفء العدو الذي يخافه العدو على ما هو معروف عند الأمم يومئذ من اتقائهم بطش مولى أعدائهم وإحجامهم عما يوجب غضبه تقية من مكره أو ضره أو حرمان نفعه قال السموأل:
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ** عزيز وجار الأكثرين ذليل

وقال العنبري:
لو كنتُ من مازن لم تَستبِحْ إبلي ** بنُو الشقيقة من ذُهل بن شيبان

وبهذا يتبين أن مفاد قوله: {لا تجزي نفس عن نفس شيئًا} مغاير لمفاد ما ذكر بعده بقوله: {ولا يقبل منها شفاعة} إلخ فقوله: {لا تجزي نفس عن نفس شيئًا} هو بمعنى قوله تعالى: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله} [الانفطار: 19].
وقوله: {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} الضميران عائدان للنفس الثانية المجرورة بعن أي لا يقبل من نفس شفاعة تأتي بها ولا عدل تعتاض به لأن المقصود الأصلي إبطال عقيدة تنصل المجرم من عقاب الله ما لم يشأ الله؛ ليكون الضمير في قوله: {ولا هم ينصرون} راجعًا إلى مرجع الضميرين قبله.
وهذا التأييس يستتبع تحقير من توهمهم الكفرة شفعاء وإبطال ما زعموه مغنيًا عنهم من غضب الله من قرابين قربوها ومجادلات أعدوها وقالوا: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18].
{يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} [النحل: 111].
ومن المفسرين من فسر قوله: {لا تجزي نفس عن نفس شيئًا} بما يعم الإجزاء فجعل ما هو مذكور بعده من عطف الخاص على العام ولذلك قال الشيخ ابن عطية: حصرت هذه الآية المعاني التي اعتاد بها بنو آدم في الدنيا فإن الواقع في شدة لا يتخلص إلا بأن يُشفع له أو يفتدى أو ينصر. اهـ. وألغى جمعها لحالة أن يتجنب الناس إيقاعه في شدة اتقاء لمواليه، وما فسرنا به أرشق.
وقد جمع كلام شيوخ بني أسد مع أمرئ القيس حين كلموه في دم أبيه حجر فقالوا: فأَحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: أما إن اخترت من بني أسد أشرفها بيتًا فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته، أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها فهي ألوف، وإما وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتُسْدل الأزر وتُعقد الخمر فوق الرايات. اهـ.
وقرأ الجمهور ولا يقبل بياء تحتية ياء المضارع المسند إلى مذكر لمناسبة قوله بعده: {ولا يؤخذ منها عدل} ويجوز في كل مؤنث اللفظ غير حقيقي التأنيث أن يعامل معاملة المذكر لأن صيغة التذكير هي الأصل في الكلام فلا تحتاج إلى سبب، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بمثناة فوقية رعيًا لتأنيث لفظ شفاعة.
والشفاعة: السعي والوساطة في حصول نفع أو دفع ضر سواء كانت الوساطة بطلب من المنتفع بها أم كانت بمجرد سعي المتوسط ويقال لطالب الشفاعة مستشفع.
وهي مشتقة من الشفع لأن الطالب أو التائب يأتي وحده فإذا لم يجد قبولًا ذهب فأتى بمن يتوسل به فصار ذلك الثاني شافعًا للأول أي مصيّره شفعًا.
والعدل بفتح العين العوض والفداء، سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدى بمثله في القيمة أو العين ويسويه به، يقال عدل كذا بكذا أي سواه به.
والنصر هو إعانة الخصم في الحرب وغيره بقوة الناصر وغلبته.
وإنما قدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق زيادة على ما استفيد من نفي الفعل مع إسناده للمجهول كما أشرنا إليه آنفًا.
وقد كانت اليهود تتوهم أو تعتقد أن نسبتهم إلى الأنبياء وكرامة أجدادهم عند الله تعالى مما يجعلهم في أمن من عقابه على العصيان والتمرد كما هو شأن الأمم في إبان جهالتها وانحطاطها وقد أشار لذلك قوله تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم} [المائدة: 18].
وقد تمسك المعتزلة بهذه الآية للاحتجاج لقولهم بنفي الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة لعموم نفس في سياق النفي المقتضي أن كل نفس لا يقبل منها شفاعة وهو عموم لم يرد ما يخصصه عندهم.
والمسألة فيها خلاف بين المعتزلة وأصحاب الأشعري.
واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين والتائبين لرفع الدرجات، لم يختلف في ذلك الأشاعرة والمعتزلة فهذا اتفاق على تخصيص العموم ابتداء، والخلاف في الشفاعة لأهل الكبائر فعندنا تقع الشفاعة لهم في حط السيئات وقت الحساب أو بعد دخول جهنم لما اشتهر من الأحاديث الصحيحة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبيء دعوة مستجابة وقد ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي» وغير ذلك.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إن الأحاديث في ذلك بلغت مبلغ التواتر المعنوي كما أشار إليه القرطبي في نقل كلامه.
وعند المعتزلة لا شفاعة لأهل الكبائر لوجوه منها الآيات الدالة على عدم نفع الشفاعة كهاته الآية، وقوله: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48].
{من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} [البقرة: 254] {ما للظامين من حميم ولا شفيع} [غافر: 18] قالوا والمعصية ظلم.
ومنها قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] وصاحب الكبيرة ليس بمرتضى، ومنها قوله: {فاغفر للذين تابوا} [غافر: 7].
والجواب عن الجميع أن محل ذلك كله في الكافرين جمعًا بين الأدلة وأن قوله: {لمن ارتضى} يدل على أن هنالك إذنًا في الشفاعة كما قال: {إلا لمن أذن له} [سبأ: 23] وإلا لكان الإسلام مع ارتكاب بعض المعاصي مساويًا للكفر وهذا لا ترضى به حكمة الله وأما قوله: {فاغفر للذين تابوا} فدعاء لا شفاعة.
والظاهر أن الذي دعا المعتزلة إلى إنكار الشفاعة منافاتها لخلود صاحب الكبيرة في العذاب الذي هو مذهب جمهورهم الذين فسروا قول واصل بن عطاء بالمنزلة بين المنزلتين بمعنى إعطاء العاصي حكم المسلم في الدنيا وحكم الكافر في الآخرة ولا شك أن الشفاعة تنافي هذا الأصل، فما تمسكوا من الآيات إنماهو لقصد التأبيد ومقابلة أدلة أهل السنة أمثالها.
ولم نر جوابهم عن حديث الشفاعة، وأحسب أنهم يجيبون عنه بأن أخبار الآحاد لا تنقض أصول الدين ولذلك احتاج القاضي أبو بكر إلى الاستدلال بالتواتر المعنوي.
والحق أن المسألة أعلق بالفروع منها بالأصول لأنها لا تتعلق بذات الله ولا بصفاته ولو جاريناهم في القول بوجوب إثابة المطيع وتعذيب العاصي، فإن الحكمة تظهر بدون الخلود وبحصول الشفاعة بعد المكث في العذاب، فلما لم نجد في إثبات الشفاعة ما ينقض أصولهم فنحن نقول لهم: لم يبق إلا أن هذا حكم شرعي في تقدير تعذيب صاحب الكبيرة غير التائب وهو يتلقى من قبل الشارع وعليه فيكون تحديد العذاب بمدة معينة أو إلى حصول عفو الله أو مع الشفاعة، ولعل الشفاعة تحصل عند إرادة الله تعالى إنهاء مدة التعذيب.
وبعد فمن حق الحكمة أن لا يستوي الكافرون والعصاة في مدة العذاب ولا في مقداره، فهذه قولة ضعيفة من أقوالهم حتى على مراعاة أصولهم، وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني إجماع الأمة قبل حدوث البدع على ثبوت الشفاعة في الآخرة، وهو حق فقد قال سواد بن قارب يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فكُن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة ** بمغنٍ فتيلًا عن سواد بن قارب

وأما الشفاعة الكبرى العامة لجميع أهل موقف الحساب الوارد فيها الحديث الصحيح المشهور فإن أصول المعتزلة لا تأباها.
وقوله: {ولا يؤخذ منها عدل} والعدل بفتح العين يطلق على الشيء المساوي شيئًا والمماثل له ولذلك جعل ما يفتدي به عن شيء عدلًا وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: {أو عدل ذلك صيامًا} [المائدة: 95] فالمعنى: ولا يقبل منها ما تفتدي به عوضًا عن جرمها.
والنصر هو إعانة العدو على عدوه ومحاربه إما بالدفاع معه أو الهجوم معه فهو في العرف مراد منه الدفاع بالقوة الذاتية وأما إطلاقه على الدفاع بالحجة نحو {من أنصاري إلى الله} [آل عمران: 52] وعلى التشيع والاتباع نحو {إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] فهو استعارة. اهـ.